رسالة عاجلة إلى السيّد وزير التّربية : الاستعمار يعود من أبواب مدارسنا
ثمّة ظاهرة جديدة غزت أسواقنا في كامل ربوع الجمهورية في بداية السّنة الدراسية 2016/2017 تتمثّل في انتشار محافظ لتلامذة التعليم الأساسي وكثير من الأدوات المدرسية المكسوة بالعلم الأمريكيّ. لم تظهر هذه البضاعة فجأة بل شاهدناها لدى تلامذتنا منذ سنتين واعتبرناها من تسريب المهرّبين الذي تعمل الدّولة على مواجهته والحدّ منه. ولكنّنا لم نقدّر أن تنتشر هذا الانتشار الواسع الذي رأيناه بداية هدا الموسم الدّراسي ، وهو ما يؤكّد أنّها ليست ظاهرة اقتصادية فحسب ، فالسّلع الأمريكية قد غمرت مجتمعنا منذ زمن بطرق أخرى . لكن أن يقتحم العلم الأمريكي مؤسّساتنا التّربوية ويصبح اللّون الغالب عليها فهذا يعني أنّ الغاية لم تعد ربحيّة بقدر ما أضحت ثقافية تدميرية، يعمل فيها مصنّعو هذه البضاعة على تلوين عقول الجيل الجديد بقيم الامبراطورية الأمريكية بترويجها رمزيّا من خلال العلم الأمريكي.
إنّها الأمركة تبدأ من مدارسنا ، تغزو عقول أبنائنا بأموالنا ، في صمت جماعي وبتدرّج منتظم. ومن لا يذكر كيف استطاعت الولايات المتّحدة الأمريكية أن تغيّر ملامح نصف المجتمع الأفغاني بعد سنتين فقط من « عملية الحرّية المستدامة » في أكتوبر 2001 ، مثلما جعلت نسبة عالية من شباب العراق المحتلّ يتّجه إلى اختيار اللّباس على طريقة نجوم المارينز؟
السّيد وزير التّربية الأستاذ ناجي جلّول :
لقد أقرّ « الكتاب الأبيض » الذي فسّرتم فيه دواعي الإصلاح واستراتيجياته في (ص10) أنّ « المدرسة العمومية أتاحت على امتداد العقود الماضية مكتسبات تاريخية أسهمت بها في تعزيز تشكيل الشخصية التونسيّة المنغرسة في هويتها باعتزاز والمنفتحة على قيم الحداثة والكونيّة بثقة » . وقد جاء في الصّفحة 49 منه أنّ الغاية من كلّ جهود الإصلاح « أن تقوم المدرسة بدورها في إرساء مقوّمات الجمهوريّة الدّيمقراطيّة النّاشئة حتّى تتوطّد أسسها التّي أجمع عليها التّونسيون والتّونسيات » . ولا نحسب التّونسيين والتّونسيات سيّدي الوزير، قد أجمعوا على أنّ علم أمريكا يختزل قيم الجمهورية منذ استقلالها .حينئذ عن أيّ وطنيّة يمكن أن نتحدّث مستقبلا ؟
كيف لنا أن نؤصّل فيهم قيم الوطنيّة وهم يحيّون علم الجمهورية بلباس أمريكيّ وعلم أمريكيّ يلتصق بظهورهم وصدورهم وعقولهم في المنزل والشّارع والمدرسة ؟ وأيّ مشروع وطنيّ سنرسمُ ، وقد قبلنا بأن تُنسج أذهان أطفالنا بنجوم الولايات الأمريكية؟
سيّدي الوزير الكوفية ولا المحفظة الأمريكية :
أليس من الغريب المخجل أن يُطرد أحد أبناء تونس من باب المعهد منذ الأيام الأولى للعودة المدرسية- مهما كانت الدّوافع- لأنّه كان يحمل الكوفية الفلسطينيّة ؟ فكيف يجوز لنا أن نسمح لآلاف من أطفالنا الأبرياء أن ينسلخوا من جلودهم التّونسية العربية الأمازيغية الفينيقية القرطاجانية ، لتصبح أذهانهم أمريكيّة؟ هنا تحديدا أقول ونحن ندّعي أننا أنصار للقضية الفلسطينية : » إذن خلّونا نعلّي الكوفية » .
وإذا كان المراد من إصلاح المؤسّسة التربوية إنشاء شخصية تونسية راسخة في هويّتها منفتحة على العالم ، فقد وجب الانتباه إلى كلّ ما يهدّد شخصية التلميذ التّونسي في لغته وقيمه وفكره ولباسه. وكيف لا يمكن أن تهوي النّجمة الخماسية بما تحمله من رمزية مستقبلا أمام نجوم بيضاء تعشي العيون والعقول ؟ بديهي حينئذ أن نصنع جيلا بكامله سيعمل على إسقاط علم الجمهورية واستبداله بعلم أمريكا ، بعد أن استبدله بعضهم بعلم الخلافة الأسود على أسوار كلّية الآداب بمنّوبة.
الرّجاء من السيد وزير التّربية أن يمنع هذا النّوع من المحافظ التي يحملها التلاميذ داخل مدارسنا ، حتّى يكون الإصلاح واقعا منسجما مع ما جاء في وثيقة الحوار الوطني والكتاب الأبيض نفسه.
أمّا رسالتي إلى الأولياء والمربّين فهي أن يقاطعوا هذه البضاعة ويدعوا أبناءهم إلى استبدالها بأخرى ،فهم سيجدون في أسواقنا المحلّية محافظ من صنع تونسي بديع أصيل .
إنّ للوطن شكلا ولونا وتربة ولغة وقيما وذاكرة، لا يمكن أن نقبل أن تباع على طريقة شركات الهامبورجر في الأسواق السّوداء المفتوحة أمام أنظار أجهزة الدّولة نفسها .
أرجو أن تكون الرّسالة قد وصلت.
فتحي الشابي
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.