لقد أشرفتُ هذه السنة على تلامذة معهدي في مسابقة " تحدي القراءة " سيئة الذكر التي تنظمها دولة الإمارات العربيّة المتحدة في كامل الوطن العربيّ و تُخصّص لها جوائز ماليّة خياليّة. استغربتُ في بادئ الأمر لأنّنا لم نتعوّد على أنْ يُنفق العرب الخليجيون أموال النفط في أمور مُفيدة ، ثمّ سرعان ما استحسنتُ الفكرة واستبشرْتُ بها خيرا خاصّة وأنّ المسابقة تتمّ بالإشتراك مع وزارة التربيّة وتحت إشراف مندوبياتها الجهويّة. ولكنْ لم أتصوّر أبدا أنّ نهايتها ستكون فضيحةً ومهزلةً وعارًا علينا كأساتذة و على وزارتنا و على بلادنا ، رغم أنّني لاحظتُ منذ البداية غموضا في شروطها و ارتجالا في تنظيمها و فوضى في مراحلها الأولى ، و يكفي ذكر أنّ الجوازات لم تصلنا ولم نتمكّنْ من تسليمها إلى التلاميذ المشاركين إلا في بداية شهر أفريل.
و من نتائج ذلك أنّ حماس التلاميذ خفتَ بعد أن كانوا يلتهمون الكتب التهاما في بداية العام الدراسي و لكنْ بتقدّم الشهور و عدم تلقينا نحن الأساتذة المشرفين إجابات واضحة عن الأسئلة الكثيرة التي يحاصرنا بها تلامذتنا بدأ يتسرّب إليهم و إلينا شعور بعدم جديّة هذه المسابقة .
إلا أنّ الأمور سارتْ في شهر أفريل بطريقة مُغايرة تماما و فُوجئنا بحرص كبير من المندوبيّة على إنجاح المسابقة. فمدّتنا بكلّ ما يلزم بما في ذلك المقاييس الواضحة و الشروط الدقيقة لإختيار الفائزين. و كانت ردّة فعل التلاميذ رائعة فبذلوا جهدا عظيما في تلخيص ما قرؤوا و مراجعته مع أساتذتهم و ملْء الجوازات. و سهروا الليالي و تنافسوا منافسة حقيقيّة بانتْ في حرصهم الشديد على إنهاء قراءة الخمسين كتابا و ملاحقتهم لنا بأسئلتهم بين الفصول و على درجات السلّم و أمام قاعة الأساتذة ... حتّى حلّ الأجل المضروب و أقمنا التصفيات داخل المعهد بكل شفافيّة و حسب الشروط الموضوعة ففرح من فاز و تألم من أخفق و تعاطفنا معه لعلمنا بمقدار تضحيته و حجم اجتهاده و لكن تلك هي أحكام المسابقة بكل شفافيّة . ثمّ جاء موعد التصفيات الجهوية فجرتْ كأحسن ما يكون تحت رقابة الأساتذة و مصلحة التنشيط الثقافي و المدير الجهوي و سررْتُ كثيرا بفوز تلميذتنا فردوس المقدم و لنْ أتحدث عن فرحتها هي. و نُشرتْ النتائج بصفة رسميّة وبإمضاء المدير الجهوي للتربية بتطاوين . فعاشت التلميذة على حلم لذيذ بالسفر إلى العاصمة واللقاء بالفائزين من الجهات الأخرى و كان يحدوها عزم قوي على الفوز في التصفيات الوطنية و السفر إلى الإمارات حلم كبير في قلب تلميذة مجتهدة و ذكيّة و متفوقة منذ صغرها و بدأت تعدّ حقيبة سفرها و تنتظر موعد السفر إلى العاصمة على أحر من الجمر... و فجأة
تشاهد الفتاة على شاشة التلفاز مراسم تتويج الفائزين في مسابقة تحدي القراءة في أحد النزل بالمنستير و بحضور وزير التربية و ممثلين من الإمارات و مشهد القاعة مليئة بالمشاركين الذي جاؤوا من كل الجهات و صور تذكارية و صحافيين و تلفزات و إذاعات .
فأيّ شعور ستحسّ به هذه التلميذة المغدورة ؟ و أيّ نظرة ستنظر بها مستقبلا إلى أساتذتها ؟ و أيّ معنى للمنسافة و للاجتهاد بقي بعد هذا التزوير ؟ و أيّ رغبة في المطالعة ؟ و منْ يتحمّل المسؤولية في هذا التزوير و هذا الظلم الفاضح ؟
لمّا سألتْ المندوبية الجهوية قيل لي أن الإماراتيين هم الذي تدخلوا و غيّروا النتائج و استبدلوا شروط الفوز بغيرها ... التقيتُ بالمندوب الجهوي و طلبتُ منه توضيحا و اقترحتُ جبر الضرر النفسي و المعنوي الذي لحق بالتلميذة و مازلتُ أنتظر الردّ و في انتظار ذلك أنا شخصيّا لم يعد لي أيّ ثقة في المسابقات التي تتدخّل فيها جهات أخرى غير الأساتذة و المتفقدين .
ندمت لأنّي قبلتَ يوما الإشراف على هذه المسابقة في معهدي و أعتذر لتلميذتي فردوس و ان شاء الله لا يؤثر هذا الذي حدث في علاقتها بالمطالعة
الأستاذ محمد البيولي تطاوين
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.